Thursday, January 17, 2008

فيما كان الجوُّ حنيناً.. و ذاكرة!

.. يأتي كانون هذه المرة مختلفاً عن أي وقت مضى.. لا يشبه شيئاً مما أعرفه عنه، كانون ينتعل حذاء غريبٍ و يمر من جانبي.. لا يسلم.. لا يحاول أن يختلس النظر إليْ.. و لا يفتعل حديثاً أو مبادرةً بالحديث!

و المطر يتكاثفُ على نافذتي.. و نافذتي تحمل أنفاس نومي الدافئة و تحمل قطرات الشوق الهاطلة بزخمٍ صامت من خارجها.. أستيقظ.. أسمع صوت المطر غزيراً أجشاً عبر هاتفي.. يتكون الصباحُ دافقاً في القلبِ إلى باقي الجسد ليوقظه.. فتهرعُ هرمونات اليقظة و تشد عضلاته حتى غرفة الجلوس حيث الدفء أكثر و حيث القهوة تنتظر راشفها بشغف..

-"كلُّ كانونٍ وأنتِ بخير"؛
صادفتني الوردةُ الجورية في المزهريةِ وهي تثني على صمتي..
-"كلُّ كانونٍ وأنتِ أنتِ"؛
هزّني صوت ذكرى لم أمحها تغرقني بمطرها الصيفي في ارتعاشة البرد..
كانون يحقُّ له -الآنَ- أن يحمل جزءاً مما لم أستطع حمله من ذاكرتي، من أنايَ، من محافلِ الشخصية التي ترسبت في روحي لتكونَ أنا..
يحقُّ له أن يكون بصمَتي حين لا أعرف الكتابة، أن يصير صوتي حين تتهاوى الكلمات في جوفي، أن يعشقَ بي عندما لم أجد ما أقدمه لحبيبي سواه فتركتُني في قلبه كانوناً لكل لحظات الفقد و لكل تاريخٍ لم أُسعَدْ بتدوينه معه.. و لكل ثائرة عاطفةٍ أجّلتُها حتى حينٍ فذابت حُرقةَ اشتياقٍ و لم تبقَ على أمل..

كانون يتقمَّصُ كلِّي ليحتفل معي بما سيكون.. ليرتعشَ حباً.. ليصحبَ الليلَ في سمرٍ و سهاد.. ليُطرِبَ القلبَ الذي ما اعتادَ سوى لحن الحزنِ علَّ سعادةً تغمره بمطر الحب اللاهب فيصير أحلى مما يمكن أن يكون..

مطرٌ

مطرٌ

مطرٌ ..
و يستيقظُ الصباحُ و ينتظر المساءْ

و على نوافذِ الحيِّ عيونٌ كأنما هي تشبهني.. لكنها ليست عيوني.. تترقبُ العابرَ العاجيَّ في توقٍ إلى رشفِ بعضٍ من صوته.. أو سحابة من عطره.. أو شيئاً قليلاً من دفئه..

عيون الحيِّ تتخللني، تنُازعني فيما أنا أحوي.. و أنا فيهِ.. أذوي لأزدادَ ألقاً.. أذوبُ لأتكاثفَ مطراً.. و أبدأ...

أبدأ من حيث لم أعرف البدء قبلاً..

كانون ::: يا "إله الخائفين" .. أينَ أخفيتَ طقوسنا المجنونة؟ أين نسيتَ أسمائنا؟ أينَ فقدتَ ذاكرتكَ؟

و هل حقاً أتيتَ دوننا؟

كيف؟ وكل ما هُنا في ذهاب!!..

أبدأُ من صوتِ المطر قصَّتي.. علَّ الروايةَ في كانونٍ ما تكتمل.. كما بدأتْ

طارِقَـةُ ذِهْن

فيما كنتُ أغسل وجهي رنَّ جرس الباب، جففتُ يديَّ سريعاً و هُرِعتُ لأعرفَ مَن بالباب في هذا الوقت الباكر من الصباح..

كانت مندوبة مبيعات!

امرأة جميلة، كاملة الإضافات و الزينة، تقف بباب أيّ بيتٍ لتعرض خامتها من إحدى الشركات التجارية..

بالطبع لم أفتح الباب..

ليس خوفاً من أن تكون هذه –الجميلة- تابعة لإحدى عصابات السرقة، أو إحدى الشركات الدجالة إنما لأنها قالت فيما تظنه أنه جُملةُ جذبٍ ليفتَح لها أصحاب البيوت أبوابهم و يستمعون لما ستقوله::

" ربحتِ (هدية) يا مدام من إحدى المولات القريبة!.. اخترنا عشرة بيوت عشوائية من المنطقة، وكان بيتكِ إحدى هذه العشرة بيوت.."

لم أفتح الباب و لن!

اعتذرتُ منها.. و عدتُ إلى صباحي الذي بدأ برغبةٍ عجيبةٍ بالضحك..

ضحكتُ من الدنيا..

فقد علّمني جدّي أن لا شيء يأتي بالمجّان!

لا شيء دون مقابل... فما نحصل عليه برخيص يكلفنا الكثير لاحقاً!!

مُقتَطَعات.. ما تلبَث أن ترسو في القاع

"واو العطفِ الأولى"

.. و قطعتُ الروايةَ إلى ما بعدَ الكتابة؛

حيثُ الزمنُ مفاصلَ من الورق، و موادَّ من الحِبر، و بدائلَ ملفَّاتْ

الأبطالُ ينحدرونَ من الشوارع؛ تلك التي تبدأ من الحكاية.. و تنتهي عند لحظة القراءةْ

الشوارعُ تصبحُ خاويةً بعد أن يتصفَّحَ قلبي صُوَرَ الأحداثِ

و يسمعَ اعترافاتِ الناس الذين عبروا الذاكرةَ ليُخيطوا بأصابعهم ما عجِزَتْ هيَ عن ترقيعِهْ

"واو العطفِ التوأم"

.. و أهذي في ليلي...

و هذياني – الآنَ – شِعرٌ!

الشِّعرُ زلَّاتُ الحقائقِ.. و أنا كرهتُ الصَّمتَ

و عدوتُ إلى رصيفِ الحزنِ؛ أرثي صُحبةَ الأمسِ، في أُمسِيَةٍ

و أُشاركُ الليلَ قَهوتي.. و قصائدي المُعلَّبَةْ

"جَدَلْ"

الزمنُ كأنما هو إنفاقٌ، في كلِّ ثانيةٍ تتوالدُ سنابل..

و الغُربَةُ حصَّادةُ وقتٍ، و الوقتُ يُبارَكُ في البُعدِ حقولاً..

مَنْ أنفَقَ بِذرَتَهُ في وطنٍ و نسِيَ الصَّبرَ عقيماً في الأعماق؟!

"واو التفريق"

.. و هناكَ عند أصيصِ الرغبةِ جُنَّتْ أوراقي،

و تجنَّدَ الحرفُ رصاصاً فوق طاولتي، و أتى الذُّعرُ..

و وصمَةُ الإبداعِ ترغمني على الكتابةِ

فتهتزُّ أصابعي...

و يتدفَّقُ الكلامُ مكبوتاً، مُقدَّداً، مُختَصَراً في بادئ الأمرِ

ثمَّ يستفيضُ أنهاراً من أقاويلَ و إيحاءاتٍ لأرضِ الروحِ فيُنبِتُها..

و تتشجَّرُ كَرْمَةُ الشِّعرِ فوق طاولتي فيذوبُ الرصاصُ سماداً لتُربتها..

و تبتهجُ المُهَجُ و تخفِقْ

... منذ شهورٍ و الصمتُ الأصلعُ يبتدءُ صباحي و مسائي، و عيوني شاحبةٌ عنه!

"انطلاقة"

في موسم التغيير.. أتنحّى عني جانياً، و أصيرُ قارعةً لأشياءَ كثيرة!

لكنها الطرُقُ نفسُها تأبى الامتدادَ بجانبي؛ فتسيرُ من خلالي إلى حيثُ تريد.

اكتشفتُ صدفةً، أنهُ كذلكَ فعلَ الآخرونْ!!

الموتُ في البيت أفضل من دهس سيارةٍ في الطريق

صباحٌ آخَرَ

تبيضُّ فيه الذاكرةُ

و تبتعد الكلمات..

خوفاً من إبَرِ الدم

و أمصالِ المرضى

و بلاهةِ الموتِ في وجوههم..

و روتينِ العمل!

صباحٌ آخَرَ

مرتَّبُ الوقتِ حدَّ النَزَقْ

سيارات الأجرة ملَّت تأخري..

و الطريقُ بصقَ خطوي عليهِ

حتى الحاسوب

و كرسي المكتب

و فنجان القهوة

و صحيفة الصباح – التي لا تدفعني لقراءتها –

و "المكيّفُ" اللزجُ..

ملَّت تفاصيلَ وجهي!

أظنني سأتركُ العمل

إذ لا أحدَ يروقُ له رنينُ الوقتِ في ورقه..

و لا أحد يحملُ مثلي عبء الكلامِ المراقِ

فوق أصابعي

هدراً

من احتمالِ انتهائه!

هل ينتهي النثرُ يا لغتي؟

و الوقتُ يصابُ بالبطالةِ

فيغذي مساحات الذاكرةِ بالزبَدْ

و يهندسُ أعمالهُ بقالبٍ جديدٍ

دون روتينٍ

أو تخطيط..

صباحٌ آخرَ

ستغادرهُ العصافيرُ

لم نلتقِ فيه..

لتعشُبَ قلوبنا بالمطَرْ!!!

أُقْفِلُ عائدةً إلى البداية..

حيث تكرّ الحرية أمامي كخيط صوفٍ

انفلتَ من "كنزةٍ" قديمة

و عاد للعَبَثْ..

و جاء العيد للدنيا..

قبيل أن تشرق شمس العيد في وطني و تنطلق تكبيرات المآذن إلى أعنة السماء يُشرع القلب بالابتسام رغم كل المآسي التي تصده عن ذلك..

و يحاول اعتناق دين السعادة ليزاول الفرح! تلك المهنة التي ما عادت رائجةً في أيامنا هذه..

العيد يجيء هذا العام مرتدياً حلَّةَ الاختلاف و التماهي.. يظهر في بلد و يغيب في آخر..

و كأنما الأرض اتخذت أقماراً فحار سكّانها في أهلِّتها.. أحدهم رآها وكثيرون يجزمون بعدم رؤيتها.. أما العقلاء فيقسمون بأنهم عميانا..

لست أدري أية أبصارٍ تتحكم في رؤانا و رؤيتنا.. أم أنها القلوب هي التي عميت فما عادت تُوصِلُ كهربائها إلى عيونها لترى؟!!..

العيد يجيء حزيناً.. هارباً من دمعةٍ سريعة.. مرتبكة.. تتشوّفُ لغدٍ أحسن حالاً من سابقهِ؛

يجيءُ مُكتنِـزَاً بتكهناتٍ و فوضى..

مُؤتمِرَاً بما يريده البشر.. تخفتُ فيه التجليات حتى لتكاد تختفي..

يجيء دون وميض أو بريق.. مُعتَمِراً وجه الفرقةِ و الألم..

كأنما صيغ بعجائن الساسة و سار على ركبهم..

لكنه العيد.. بعد الطاعة..فرح!

و الفرح من السُنّةِ التي أُمرنا بها..

فنفرح!

ألسنا مسلمون؟

عيدنا مبارك.. رغم كل شيء :,)

عيدنا جمعاً جميعاً معاً.. أمة الإسلام في المشارق و المغارب..

عيدنا نحن .. بقلوبٍ يوحدها الرب الواحد.. تلك القلوب التي "لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم.. و لكنّ الله ألّفْ "..

عيدكم مبارك.

أحذية

الحذاء (1)

مُفرطٌ بالوحدة..

ينتعلُ حذاءَ أيامهِ

و يسير في طريقهِ المعتادْ

توقفهُ خيالاتٌ على حافّة اليقَظة

فيُهرَعُ جابيَاً كلّ طرودِ الحزنِ

من خزائنِ وحدتهِ –إليها-

و هو الطريدُ بعدها..

كم مرَّةً تعثَّرَ (بها) و لم يقَعْ؟!

الحذاء (2)

ما الجديدُ في هذا التعب؟

الوجوهُ –الخرائط- تفيضُ بالمياه

فتنتهي الأمكنة!

الأخبارُ تصدأ في الحلوق...

و المدنُ ذات النهارات المشققةِ

من صومِ دهرٍ

تأكل في الظلمةِ

أجسادَ العاشقينَ

فتحيلها رمادْ

و العمرُ... أستنطِقُ العُمرَ

"ألا أيها العُمر ألا انتهي.."

و يبدأُ الحصادُ الوقتيُّ

فيجزُّ الآخرينَ من رأسِ القصائدِ

و يكرِّرُ الأحداثَ؛ جذلى

و ينتعِلُ حذاءَه البالي و يهمُّ بالرحيل..

الحذاء (3)

تمنّى لو أن أحداً شاركه في السخرية

الشارع المائل كان يعترض بخرابهِ طريق العابرين

و كان يسخرُ من قلوبهم التي تترجمها رقصات الأحذية فوقه!

الحذاء (4)

تسوّرَ حديثها بالصمت

بعد أن انفلتَ لسانها من مكانه

لم يدرِ مَن حولها

أنه انتعلَ كلامها ليصلَ إلى حيث هو الآن.

الحذاء (5)

لأنه و في كل ليلةٍ قبل أن ينام

يُعيد طقوسهُ الخاصةَ به

يُخرِجُ أحذيتهُ من ذاكرته و يرتبها حول سريره

ثم يحاول أن يغفو...

يراها تنتعلُ قلبه و ترقصُ بشغفٍ على خيباته

ترقصُ ..على أنغامِ كذبه

و دخانِ ابتعاده..


مونولوج مُمِلٌّ و قاتِلْ

ذائبةَ الكلمات أبدو في آخر آب، و قيظُ الوقت يلعنُ احتمالات الغيابِ و يستقي من أوراق الزيتونِ التي تَغَصُّ على أرصفة الشوارع بعض اخضرارٍ يُعيد لروحهِ الحياة..

و موتٌ يضحكُ في وجهي بصورةِ رجلٍ مُسِنٍّ، تظهر أسنانه كبيرة بيضاء، بلاستيكية، و عباءته كذلك، مُغبرَّة, فأضحكُ معه قليلاً.. و أذهبُ بفِكري إليه إذ لا يشبه هذا الرجلُ جدِّي، فكيف يكونُ هو موتي؟!!

هل كان شبيهاً بكَ أكثر من مرة؟ و مئات الأفواه تُفغَر لوجهي، فأريدُ أن أراني في ذات اللحظةِ.. كيف أبدو؟ هل خالجني موتٌ أم طفَتْ على تقاطيعهِ لمساتٌ جنائزية فتفاءل ذاكَ الذي ابتسم طويلاً من وجهي؟!!

تُحرجني أسئلتي!

خاصَّةً حين أمرُّ على البقَّالِ أسألهُ عن جريدةِ "الأمسِ" لأطالعَ الأخبارَ الفائتة، فكلُّ ما يحدثُ في العالَمِ قديمٌ و مكرَّرٌ في حَلَقَةٍ واحدةٍ طويلةٍ جداً، بدأَتْ مُذ عيينا بأطياننا و تجاهلنا طبقاتنا الأرضية نحو السماء و امتدَّتْ حتى يرثَ الله الأرض و ما عليها من نحن و آخرونَ و أشياءْ

البقَّال اعتاد على سؤالي فلم أعد أشعر بالحرج، لكني عادةً ما أتحرّجُ من أسئلتي أمام نفسي عندما أصير الجمهور و ألقي عليَّ النصائح و لا ألتزم بها و أتسربلُ من واجباتي كبكرةِ خيطانٍ لا تدري نهاية ما تنحدرُ إليه..

فجأةً أنتبهُ للصباح، ما يعني أنَّ اليومَ الذي كنت فيه قد انتهى فعلاً، بصوتِ أمي توقظني!

و رائحة النوم تحوم حولي، كاشتهاءٍ لا يَشعرُ مُتعاطيهِ بالتخمةِ أبداً.. ألتصِقُ بالذهولْ, يؤلمني الواقع في لحظةٍ ما، حين يضطرُّني للسير وراء الحقائقِ علّني أدركها..

أنا العابرةُ الأخيرةُ – من الحزنِ – في هذه المدينةِ الباردة التعابير..

أتشرنقُ حول ياسمينة، أتلاشى في فقاعةٍ تحمل كلّ الألوانِ, أهمِسُ في الريحِ لنفسي: "كوني جميلةً يا أنتِ" فيختلطُ الحزنُ بكبرياءِ الوقت، و تصطدمُ المنعطفاتُ في ذاكرتي و يستيقظُ الشوق الذي ما غفا، كلهم يحاولون بتر الحديث من جوفي فيُصابون بضوضائه!

و الحديثُ على الرصيفِ يتسوَّلُ أحرفاً جديدةً تعيدُ لكنههِ القوة في الطَّرْحِ... يدسُّ العقاقيرَ جرعةً واحدةً في بطنهِ ليعتادَ طعم الوحدةِ.. و يستطرد في انتظارهِ لمَن يحكيهِ أو يكتبهُ أو ينشدهُ حزناً للعُمر المقصيِّ من جنبَيْه فيتكسّرُ تحت أرجُل العابرين كشيءٍ جاف..

هذا هو حالُ الوقتِ حين التهبت أرضُ الأرضِ بترابها، و سعى الآخرونَ في خرابها، و لم يبقَ إلا صوت الــ..، لا بنادق تشفي الغليل! لم يبقَ إلا صوت الصواريخِ و رائحة الدم التي هجاها الآدميون.. الدمُ زيتُ الروحِ الصدئة في تاريخٍ أشعث، لا يحملُ سكاناً أو أبطالاً أو انتصارات..

لا يحملُ خصبَاً يلعَن قحطَ الأيامِ..

تتشرذمُ الغاياتُ في زوابعَ صغيرةٍ تلهثُ للسماءِ.. بأورادٍ و تعاويذ..

و أنا كما الحريةُ أتناثرُ ذائبةً في التكوين الموتيِّ لأشباهي.. فمن يجمعُ أسمائي من خارطةِ العجزِ.. مَنْ.. يجمعُ.. أسمائي؟!!

من عجين الذاكرة الأخيرة

(1)

من هدأة الدروب البعيدة أتيتُ

أيا وطناً أشتاقُ لأبي و الأحبةِ فيه

فلا أرى سوى الخرابْ

(2)

الشمس تشرق من الفستقِ المغمَضِ العينينِ

تحمِلُ ملامحَ خطوتي الأولى

و ترسمُ على عجلٍ

و بفوضى الخطوطِ الأخرى

ملامحَ خطوتي الأخيرة..

(3)

مدينةٌ متعَبة

و تاريخٌ ما زال ينبضُ في جوانحها

و حاراتٌ و أزقَّة

و اغتراباتٌ شتى

تهطُل في قيظ الروحِ

و تتبخرُ في عناقٍ باردْ

لو كنتُ على الضفةِ الأخرى للرصيف لقطفتُ ياسمينة!

ثرثارة، في كل الحالات! و أجهشَ في الضحك.. حتى لاحت دمعاتٌ في عينيه وأخذت تقطرُ من الجانب الأيسر لوجهه بشلالٍ غير منقطع.. طوّقني بأحرفي، و بدأ يشدُّ عليَّ زمامها حتى ضجرَت حثالتي الصامتة بكل المكان الذي كنا فيه..

ثرثارة..

و الصدى يدقُّ مسامير تردداتهِ على جدران الدهشةِ في وجهي و يتركُ آثاره العميقة ليراها الآخرون دون مجاهر أو نظاراتٍ طبية..

ثرثارة.. في كل الأوقات؛ وكان حينها معي في الطريق الرئيسي للبيت، الصراصير تنبعث من صرير الخوف في قلبي، و تملأ الشوارع والأزقة.. الليل متمادياً في إطباقهِ على الأضواء فيصيب كل شيء بالحلكة.. و الظلال التي تشكِّلنا تتبرّأ منا في تلك اللحظة و تركضُ تركضُ فاردةً شعرها الغجري، خالعةً خُفَّها ذي الإصبع لتكون حافيةً و هي تمسحُ ما كان ورائنا من أمكنةٍ قطعناها بحبال من الصمت الثقيل، الصمت الذي يوازي حدّ الثرثرة التي تميّز الشبيهات هُنا..

وحدها الخُطى.. كانت تثرثر دون أن يؤلمها أحدٌ بقَرصةٍ أو تنبيه، كانت تنتهجُ موسيقاها و تطرَبُ بها، دون أن تقيس المسافةَ بين احتمال الآذان التي تنصت في هدأت الليل إليها والآذان التي أضجرها الكلام..

كان الوقت الذي انتهجهُ للكلام محدداً "ساعةً واحدةً فقط" ثمّ يسكت بحياد! كأنما لا أحرف جديدة تصيغ لغةً محكية.. يصمت ليدعَ غيوم الأقاويل تحوم حولي كشياطين وأشباح تختالُ في مجوني و تعجُّ رأسي بقيلٍ و قال و صمتٍ مبحوحٍ كفراغ!

يصمتُ بثرثرةِ الساعةِ في وسط الحائط الذي يُقيم الغرفةَ، بثرثرةِ الدم في عروق كلينا، بثرثرةِ الداخل التي لا تتوقف كالوجع الخَلْقي في جسد كل إنسان مذ بُعِثَ حتى يموت، بثرثرةِ أسئلتي التي غفت شاحبة في صدري فأعطتهُ شعوراً بالورم.

لم يكن الأمر سهلاً، أن يخصص وقتاً للكلام، و أن يلتزم بما أراد!.. لكني لم ألتزم يوماً بما أريد، كنت أسرق من مساحات حريتي مع نفسي بعض الوقت، كنت آخذ من عمري أوقاتاً إضافية لأتكلم بما أريد و أتخلّص من شحنات الكلمات المكهربة في حلقي، حتى و إن اكتفيتُ بسماعها وحدي، كأن أتكلم أثناء نومي، و هذا ما كان يحدث غالباً بعد أن يلتزم بما أراد، و لا ألتزم أنا بما أريد..

"الكلمات كبيرة، أعمارها أكبر من الوقت!" استنتجتُ ذلك من كل محاولاتي في أن أنتهي من فكرةٍ تثيرني في وقته المحدد، الوقت يُسرع في الانتهاء! و أنا أكون في السطر الأول من الكلام.. حيث تصير كل الأسطر الأخرى مساحات شاسعة من الصمم، أصبح بكماء مرتدة عن ذاتي إلى ذاتي، أهوي من ثقبٍ إلى آخر في جدرانِ حيرتي، فأصلُ إلى حيث الصمت المدقع الذي تنطلقُ من جوفهِ كل الأصوات بأعنف مما يحتمل، و بأشهى مما ترقصهُ الخطى في عبورها من قارعةٍ إلى أخرى في شارعٍ ما و هي تثرثرُ بأعصابٍ من حرية غير محددة بوقت..

كان الأمر يقتضي ساعاتٍ كاملة من الصمت!

لم أكن بالتي تحسن الالتزام بذلك.. ثرثارة من منظوره الشخصي، منظومتي تقول أني عاديّة! أحب الكلام عن أي شيء حدث لي، أو أمامي أو خلفي أو معي، إليه، أحب أن أفتعل الحديث، و يحب أن يفتعل الصمت..

فيما ردة الفعل الخانقة تعتمر جلدي بعروق حميراء صغيرة، يعتمر وجهه بابتسامةٍ تنقلبُ إلى قهقهةٍ صاخبة تهز أركان أُذُنَيْ، و يتطرَّقُ بعدها إلى مواضيعَ كثيرة تصيبني بالدهشةِ حدَّ أن أفغر فمي وأبحلق عينَي بما يتقوله من حديث..

أجذبُ حبال صمتي بعناءٍ مُلاحَظ، و أتركهُ نائماً يكمل ما لم ينهيهِ من قصص لم أعد أسمعها...

و أمضي إلى دربي محمومةً به! الطريقُ هادئاً كان، حتى أنّ حذائي لم يصدر أي صوت، الصمت من حولي يشيب له الكلام، و الضفة الأخرى للرصيف لا تعطيني إرادةً بالمشي أكثر، تخورُ عزيمتي، فأعود أدراجي إليه، أحدّثه عن كل ما لم نتطرق له في حياتنا السابقة، و أُحدِّثُ نفسي بثرثرةٍ جُوَّانيَّة ::"لو كنتُ على الضفةِ الأخرى للرصيف.. لقطفتُ لكَ ياسمينة!".

العجز

أن يفقد قلمي لونه في ثورةِ خاطرةٍ عندي فينزف قلبي تعويضاً عفوياً ليكتملَ النَّص!!

شَدْوٌ في حَلَبَةِ العَتْمَة

خلفي أنا! و هُناكَ عند الوراءِ لا أحدْ

و تركتُ عباءةَ الحزنِ سوداءَ

و سرتُ للونِ الكَفَنِ؛ أتلقَّطُ السعادة...

.

هُمُ الآخرونَ؛ قد كانوا

و انطَوَتْ بعد قيْحٍ مسافةُ الغِيابِ

فيما بيننا

و أتَتْ خيالاتُ الناسِ الأُخَرْ

تعرِضُ شوقَها بحَرِّ الكلامِ المُساقِ

عند الرِّفاقِ / الذينَ مَضُوا..

و شَغَلوا الضوءَ بمَحْوِ ظِلالِهمْ

.

.

(ها) كلُّ الذين عرفْتُ

يا أنتُمْ!

و الكلماتُ خِطاباتُ عُرسٍ / هاربةِ الحروفِ

لموكِبِ تشييعٍ قد يضُمُّ

أو قد ضَمَّ – قبلاً – تابوتاً فيهِ أنا!

يا أيها القادمونَ من ورائي: "سلامٌ إليكمْ".

يُزجي رَوْحَ ليلةٍ، في ضُحى أمْسٍ

تناسلَ في رَوْعِ الحكايةِ القديمةِ

و أخذَ يرقُصُ في العتمةِ وحدَهْ

يرقُصُ حافياً.. حتى أُدْمَتْ قدماهْ

.

هل من "أنتم" شكلٌ من أحبّة؟

هل سرَيْتُم من قلبٍ إلى قلبٍ ليلاً

و تركتمُ الدفءَ حزيناً عند سريرِ الحبيبةِ

مُبلَّلاً بماءِ اللقاءِ الذي ما... تَـمْ؟!

و الدفءُ تحت خاصرتي

يبرُدُ

يبرُدُ

حتى لَيَصيرَ صقيعاً

من كثرةِ الرحيلِ فوقَ الجنونِ

إلى الجنونِ

من الجنونِ

يُشعِلْهُ جمرٌ آنَ أن يحترِقْ

.

.

خلفي أنا

و عند التحامِ الظلالِ بشبيهاتها أضيعُ!

إذ لا أُشبِهُ في العَتمةِ من أَحدْ

و لا الضوءُ يلوِّنُ شحوبَ القصائدِ لخارطتي

التي تعرَّجَتْ حدودها

حتى استعصَتْ عن الرسمِ

و عن اللونِ

كأنَّ رسَّامَها قد ماتْ

و تركَ الرياحَ في قبضةِ غيرِهِ

علَّهُ يستريحُ من عِبئها العليل..

فاعتلَّ بها دهراً، و غيرَهُ استراحْ

.

.

"كلُّكمْ سواءْ"

في الخلفِ، في الوراءِ

معاصِمٌ تسيلُ من أزنادها شهوة الحياةْ

و بغريزةِ آدميينَ

تنفُرُ في الوجوهِ، تعشَقُ الأشباهَ و الظلالَ

و الحكايا العابقةِ بالورودْ

و تتركُ – خلفها – الذكرى (هناكَ) في التفاتةِ الحياةِ

موتاً، قد ضجَّ في أركانها

ثمَّ انقضى..

.

ماذا يكونُ الذي سيأتي من موتٍ

نُساقُ فيهِ للتذكارْ؟!

و تحت تينكِ القبور، نصيرُ تراباً و أكفانْ

ألَمْ نَسِرْ كما الآخرينَ مُذْ حَيينا للوراء..؟

.

.

.

خلفي أنا؛

و هناكَ بِضعٌ من ظِلالٍ عند المغيبِ

تستوي..

كأنما ليلٌ... لا أحَدْ.

ما أخفَتْـهُ "أنا" عن "هو"

استيقظ النهار متشائماً كواجبٍ لا بد منه.. تخلّص سريعاً من خيوط المساء المتعرقة على جسده.. واغتسل من شراشف الحلم الذي يسميه كابوساً!.. و بدأ في كابوس حياته المقررة له دون أن يقررها هو..

تزامن مروري مع مرور باص ضاحية الرشيد في الشارع الذي ما عاد شارعاً للمشاة بل تجمعاً لحصى البناء وتلال الرمل المتروكة من شاحنةٍ تقيّأتها .. و أقدام عمّالٍ يبنونَ عمارة، و يسحقون الطريق الذي كان طريقاً من أشجارٍ و قططَ و عصافير..

النهار متشائماً بدا في أول الطريق.. رطباً حدّ اللزوجة.. غبارياً أصفرَ كاكتئابٍ صريعٍ في زاويةٍ مظلمة..

أنا لم يُشعرنِ ذلك بالتشاؤم، هو غطس به الشعور حتى ذقنه و ابتلّت شعيرات لحيته بأدران التشاؤم وصار لصوتهِ رائحة الغبار و لشَعرهِ لونه و قشرةٌ ادّعى أنها من حالتهِ النفسية!

الباص الذي يتزامن مع مروري يومياً في ذات الشارع أثار حفيظتي في أنه يقصدني! ليس الباص بل القدَر، قدَري!! أيسخرُ مني كل يوم..؟ حتى إن تأخرتُ يتأخر الباص، و إن أبكرتُ يُبكر!! أحياناً أقرر أن أسلك الطريق الفرعي الذي لا يمر به الباص لكنه يطل على الطريق العام.. و حين أتوازى معه أسمع صوت محرك الباص، كأنه يسخر من حيلتي و يزيدني غيظاً من قدَري!!

نهار اليوم ليس حسن المزاج، مزاجي اليوم حيادي كأوراق الخريف! حاد، جاف، لا مبالٍ..

أستعرض الشارع، أترك الأرصفةَ المسحوقة الأشجار، الضيّقة بالمارة، و أنعطفُ مع الطريق.. كسيارةٍ قديمةٍ تسير بسرعةٍ متغيرة تَبعاً لزيتها و أفكارها المتشدّقة بما يحدث حولها من نزوات النهار الذي كان للآن متمرداً على كل شيء، ربما حتى على نفسه!

في المساء انصرف النهار دون أن يصبغ وجهي بلونه، نظرتُ في المرآة.. كنتُ ما أزالُ أنا! و كان هو لم يزل هو.. مع أنه مصبوغٌ بلون المساء الذي أتى!!.. هناك أناس لهم القدرة على التصبغ بكل الألوان.. لم أستطع تغيير صبغتي فأُصِبْتُ بالفضيحة.. هو استطاع فلم يظهر عليه عارض الصيف..

كنتُ صافيةً كشتاء.. مفضوحةً بي.. كان بماهيةٍ مُتقلِّبة كنهارات المدينة التي تقطن ذاكرتي في غيابه..

كنتُ أشتكي من استمرار كوابيس الغبار في رأسي، حتى أن حساسيةَ الشعور تتنقطُ على وجهي بلونٍ بنفسجي.. كان نائماً باطمئنان طفل.. له ملامحه و أحلامه و هدوئه.. لا شيء على وجهه يفضحه سواي!

نام النهارُ كما استيقظ، متشائماً.. بعد أن أخذ حبوباً منومة، ربما لم تكن كذلك لكنها كانت تعطيه شعوراً بالاسترخاء، فنام باكراً..

سهرتُ على الشرفةِ وحدي.. زهر الليل يطلق رائحته إلى أنفي.. الرائحة تضلّ طريقها و تذهب لأنوف آخرين.. لم أتشاءم، لم أعطس من رائحةِ الغبار التي لم تضل طريقها إلى أنفي.. الطريق كان يظهر من شرفتي نائماً أيضاً.. لا أُناس و لا سيارات.. و لا باص ضاحية الرشيد!

هذه المرة الأولى التي لا يصطدم نظري بالباص حين أنظر للطريق!! شعرتُ بجفافٍ في حلقي..
و اندسستُ تحت لحافي الغضِّ بالمنامات الفاضحة.. دون أن أزعج النهار الذي نام باكراً و كانت شفتاهُ مقوستانِ لأعلى, كأنه علِمَ أن الباص لم يمر حين مررتُ بخاطري على الطريق العام المؤدي إليه؛ فابتسم معي..

ما زلتُ هُناك؛ حيث الصَّباحُ يتناسَلُ من أنتْ!

في ساعةٍ مُتأخرةٍ من الصباح

ما زالت "فيروز" تترددُ في إذاعة القُدسْ

ما زال الوقتُ باكراً على الحُبِّ..

"قُلتُ للراديو الذي على مكتبي"

و هي تتسلَّلُ دونما إبطاءٍ

لمسحِ أغطيةِ الذاكرة!

ترُصُّ أرصفةَ مدينتي القديمةِ

و تتمشَّى، بالكعبِ العالي..

على قَلَقي

في تلكَ الساعةِ يختمِرُ الحُبُّ

من أين سيبتسِمُ الربيعُ؟

"قلتُ للرجُلِ الذي يُشاركني صباحي..!"

لو لم تكنْ ها هُنا!!

ما زالَ اللحنُ يَحيكُ صوفَ اصطباري..

و يُرفرِفُ بي للوطنِ

لعينَيْهِ

لحُضنٍ من دفءِ أُمومةٍ

كبُرتُ عن اشتهائها

و ما زلتُ صغيرة!

ماذا فعلتَ بي؟!

و هذا الصباحُ يقتُلُ اشتياقاً

و يُولِدُ في إثرِهِ..حنينْ

في ساعةٍ ستتأخرُ بالصباح..

الكثيرُ من مِظلاَّتِ المطرِ ستصحَبُ رحلتي

في رحيقِ المدينةِ البعيدةِ

لِمَ تزرعونَ الحُبَّ في الطريقِ المؤدي إلى الوطن؟

"قلتُ للعاشقينَ الذينَ لا يملكونَ غير الدمعِ

يروونَ به ما تبقَّى من تُراب!"

-الحُبُّ ينبُتُ دون زرعٍ في البريَّة!-

و فتحتُ مِظلاتِ المطر

أتَّقي عشقاً

خوفَ اعتيادٍ

خوفَ صباحٍ تُلغي فيه شمسُ غُربتي

مواويلَ الغِناءْ

و قَفَلْتُ عائدة! في ساعةٍ متأخرةٍ من الصباح...

عِمْ حنيناً!

"هكذا قلتُ لطَرَفي الآخر الذي باتَ (أنا)!"

و أكملتُ صباحي

و الدفءُ يتعرَّقُ من ظِلِّي..

و يملئ طريقنا بالمطَرْ

يُولَدُ الغريبُ طاعناً في الإيلام

(آ أبي..)؟!!
. . . . .
إنَّ من أكثر ما يؤلم أن ترى الغرباءَ يعيشونَ في وطنكَ و أنتَ بعيد..

و إن عُدتَ يوماً.. ستكونُ سائحاً لا محالة!!

تفغُرُ فاهكَ دهشةً على ما آلَ إليه الحيّ الذي درجتَ فيه..

و تُصدَمُ بالعمرانِ السريعِ في شارع بيتكَ القديم..

تَرى كيف يُتقِنُ الأطفالُ في الحارةِ " الجُوانيّة " لهجتكَ بلا لثغةٍ أو حياءْ..

كيف ينظرون إليكَ كالغريب!!..

تحاولُ أن تبتسمَ في وجوههم فتصعقكَ سذاجةُ الفوارقِ التي أَطعمتكَ إياها الغربة!

لتُشكِّلَ بعضاً من طابعكَ الشخصيّْ

و مزاجكَ البعيدِ كلّ البُعد عن أدمغةِ أهلِ حارتكَ في حين أنكَ تحسبُ نفسكَ مثلهم..

لا تختلفْ عنهم سوى بالحنينِ الذي لم يعرفوهُ _ قطعاً _ لأرضٍ لم يشعروا بحُرقةِ غيابها..

و برودةِ طينهم بعيداً عنها..

تجِدُ أنكَ مختلفٌ كلَّ الاختلافِ عن أشباهكَ في الوطن!!

إنَّ من أكثر ما يؤلم أن تحتقنَ ذكرياتكَ في لحظةٍ عن عُمرِ إنسانٍ هَرِمَ و هو ينتظرُ اليومَ

بل الساعةَ تلو الساعة ليعودَ و لو كما رحل…

المهمُّ أن يعود! و حين يعود..

يحسَبُ أنَّ الياسمينَ سيفوحُ برائحةٍ استثنائيةٍ ترحيباً لقدومه..

يحسَبُ أنَّ نجوم الليلِ ستتلألأُ طويلاً كليلٍ سعيد..

يحسَبُ أنَّ جيوشاً من العيونِ و أساطيلاً من الأيادي ستغمرُهُ و هو يترجَّلُ على أرضِ الوطنْ!

" كُلُّها أحلامُ غريبٍ " أَقْحَمتْها الغُربةُ في رأسهِ ترويحاً عن مطاردةِ وطنهِ لذاكرته..

فكيفَ يفعلُ الغرباءْ..؟

و هناكَ وطنٌ في بُحَّةِ كلامهم يصهلْ

و وطنٌ في جدرانِ خلاياهم يسكنْ

يمُدُّهم بالوعي.. لمزاولةِ الحياةْ

كيفَ يفعل الغرباءْ؟؟؟

إنَّ ما يؤلم أن يُنادى بوطنكَ عاصمةً لثقافةٍ تأبّاها منذُ دهرٍ..

و عرَّشَتْ عليه داليةَ خَصْبٍ لم تَيْبَسْ من حملاتِ الفتْكِ و التصفية..

عروقها امتدّت إليه في غُربة الجَسَدِ

لتُلهِبَ روحَهُ بنار عودةٍ في فجرٍ قريبْ

إنَّ ما يؤلم أن أرى وطني يُحتفى بهِ و أَسعَدُ بذلك..

سعادةً استثنائية…

تتوزَّعُ في شراييني من جذورِ ياسمينةٍ امتدّت من هناك..

لتغمرني بالعطر الاحتفاليّْ..

فأحتفل وحدي و الوطنْ

تتويجاً استثنائياً أيضاً!!..