Thursday, January 17, 2008

يُولَدُ الغريبُ طاعناً في الإيلام

(آ أبي..)؟!!
. . . . .
إنَّ من أكثر ما يؤلم أن ترى الغرباءَ يعيشونَ في وطنكَ و أنتَ بعيد..

و إن عُدتَ يوماً.. ستكونُ سائحاً لا محالة!!

تفغُرُ فاهكَ دهشةً على ما آلَ إليه الحيّ الذي درجتَ فيه..

و تُصدَمُ بالعمرانِ السريعِ في شارع بيتكَ القديم..

تَرى كيف يُتقِنُ الأطفالُ في الحارةِ " الجُوانيّة " لهجتكَ بلا لثغةٍ أو حياءْ..

كيف ينظرون إليكَ كالغريب!!..

تحاولُ أن تبتسمَ في وجوههم فتصعقكَ سذاجةُ الفوارقِ التي أَطعمتكَ إياها الغربة!

لتُشكِّلَ بعضاً من طابعكَ الشخصيّْ

و مزاجكَ البعيدِ كلّ البُعد عن أدمغةِ أهلِ حارتكَ في حين أنكَ تحسبُ نفسكَ مثلهم..

لا تختلفْ عنهم سوى بالحنينِ الذي لم يعرفوهُ _ قطعاً _ لأرضٍ لم يشعروا بحُرقةِ غيابها..

و برودةِ طينهم بعيداً عنها..

تجِدُ أنكَ مختلفٌ كلَّ الاختلافِ عن أشباهكَ في الوطن!!

إنَّ من أكثر ما يؤلم أن تحتقنَ ذكرياتكَ في لحظةٍ عن عُمرِ إنسانٍ هَرِمَ و هو ينتظرُ اليومَ

بل الساعةَ تلو الساعة ليعودَ و لو كما رحل…

المهمُّ أن يعود! و حين يعود..

يحسَبُ أنَّ الياسمينَ سيفوحُ برائحةٍ استثنائيةٍ ترحيباً لقدومه..

يحسَبُ أنَّ نجوم الليلِ ستتلألأُ طويلاً كليلٍ سعيد..

يحسَبُ أنَّ جيوشاً من العيونِ و أساطيلاً من الأيادي ستغمرُهُ و هو يترجَّلُ على أرضِ الوطنْ!

" كُلُّها أحلامُ غريبٍ " أَقْحَمتْها الغُربةُ في رأسهِ ترويحاً عن مطاردةِ وطنهِ لذاكرته..

فكيفَ يفعلُ الغرباءْ..؟

و هناكَ وطنٌ في بُحَّةِ كلامهم يصهلْ

و وطنٌ في جدرانِ خلاياهم يسكنْ

يمُدُّهم بالوعي.. لمزاولةِ الحياةْ

كيفَ يفعل الغرباءْ؟؟؟

إنَّ ما يؤلم أن يُنادى بوطنكَ عاصمةً لثقافةٍ تأبّاها منذُ دهرٍ..

و عرَّشَتْ عليه داليةَ خَصْبٍ لم تَيْبَسْ من حملاتِ الفتْكِ و التصفية..

عروقها امتدّت إليه في غُربة الجَسَدِ

لتُلهِبَ روحَهُ بنار عودةٍ في فجرٍ قريبْ

إنَّ ما يؤلم أن أرى وطني يُحتفى بهِ و أَسعَدُ بذلك..

سعادةً استثنائية…

تتوزَّعُ في شراييني من جذورِ ياسمينةٍ امتدّت من هناك..

لتغمرني بالعطر الاحتفاليّْ..

فأحتفل وحدي و الوطنْ

تتويجاً استثنائياً أيضاً!!..

No comments: